JavaScript تستطيع أن تُنظّف أطباقك!
مُلاحظة: نُشر هذا المقال على أكاديمية حسوب.
كما هو الحال كل بضع عقود، تطفو إلى السطح لغة برمجة ما ويعدنا متعصبوها بأنها ستفعل لنا كل شيء، بدءًا من تطبيقات الحاسوب مرورًا بالهواتف الذكية وليس انتهاءً بالتعامل مع الجمادات من حولنا بطرق رائعة كالتحكم بطائرة بلا طيّار باستخدام قبضة Xbox 360! لم يكن هذا الحماس يومًا أشدّ منه مع JavaScript، والأمر يعود لعدّة أسباب:
- كونها تعمل في المتصفح جعلها عابرة للمنصات، فكل حاسوب وكلّ هاتف ذكي (أو حتى متوسّط الذكاء!) اليوم يأتي مزوّدًا بمتصفّح قادر على تشغيل JavaScript،
- وبما أنّها لغة الويب الوحيدة التي يمكن استعمالها لبرمجة المواقع من جهة المتصفّح، فلك أن تتخيّل عدد مطوّري الويب الذي يتقنونها حول العالم!
- كذلك كون JavaScript بطبيعتها لغة فائقة المرونة لدرجة أن كل شيء فيها هو في الحقيقة كائن
Object
حتى الدّوال (functions)! ولا يوجد شيء اسمه أصناف (classes) بالمعنى التّقليديّ، وإنما توجد وراثة أنموذجية (Prototypal inheritance) فكل كائن يستطيع أن يرث كل كائن آخر، ولا أنواع محدّدة للكائنات، فما تفرضه في البداية كسلسلة نصيّة يمكنك أن تغيّره فيما بعد ليصبح رقمًا، وبإمكانك توسعة الأنماط البدئية. هذه المرونة التي يألفها من يبتدئ البرمجة بـJavaScript تجعله يُصاب بصدمة عندما ينتقل إلى لغة أخرى تفرض عليه قيودًا في التصريح عن الأنواع ووراثة الأصناف… - الأمر الثالث الذي يجعل JavaScript متفوّقة هو التحسّن الممتاز في أدائها الذي لا يبدو أن سيتوقّف عند حدّ ما قريبًا، منذ بضع سنوات عندما ظهر Google Chrome مع محرّك JavaScript الجديد V8 والذي اعتمد على JIT compilation بدأت ثورة في عالم التطوير للويب جعلت JavaScript موضع اهتمام وأخذ المطوّرون ينظرون في إمكانيّة استعمالها في تطوير «تطبيقات ويب» بدل «مواقع ويب»، ثم توسّع الأمر مع ظهور Node.js التي قامت على محرّك V8 ذاته لتصبح JavaScript مواطنًا من الدّرجة الأولى على الخوادم مثلها مثل Ruby on Rails وPHP. الأمور ليست ورديّة تمامًا لكنك تستطيع استيعاب سرعة التطوّر الذي تشهده JavaScript وخاصّة أنّه أصبح لدينا أنظمة تشغيل ليست سوى متصفّح ويب في حقيقتها (Chrome OS وFirefox OS). بإمكانك استضافة تطبيقات Node.js مجّانًا على منصّة Heroku أو OpenShift من RedHat مثلها مثل تطبيقات Java وPython وRuby.
باختصار، تحوّلت JavaScript إلى لغة عامّة الأغراض (general-purpose) بعد أن كانت تستخدم بشكل بسيط لإضفاء القليل من التأثيرات السخيفة (Blink! Blink!) على صفحات الويب.
الآن أريد أن أوضّح شيئًا، في الحقيقة أنا لست مُبرمجًا مُختصًّا، وJavaScript هي اللغة الوحيدة التي أزعم أنّني متوسّط إلى خبير بها، ومنذ عام أو أكثر لم أكتب تقريبًا أي شيء بلغة أخرى (بالطّبع CoffeeScript لا تُعتبر لغة مستقلّة، هي فقط لغة تُحوّل إلى JavaScript ومهمّتها تبسيط الكتابة)، مع أنّني بدأت تعلّم البرمجة مع PHP، إلا أنّني كرهت كل إشارات الدولار تلك ($variable
) وعدم انسجام الواجهات البرمجيّة فيها. لا شيء يمنعك من استخدام PHP، وفي الحقيقة إطار العمل Laravel ممتاز ومنسّق بشكل جيّد، لكنّ ما يعيبها هو أنها تحاول أن تفعل كلّ شيء من الوصول لنظام الملفّات إلى دوال للتعامل مع مُعاملات طلبات HTTP إلخ… وهذا بالضّبط ما تحاول بيئات البرمجة الجديدة أن تتجنّبه، ففي Node.js، وعلى الرّغم من أنّ باستطاعتك أن تصل إلى نظام الملفّات وأن تُنشئ خادمًا يستمع إلى الطلبات على أحد المنافذ؛ إلّا أنّ كلّ شيء مُنظّم في وحدات (modules) مستقلّة وعليك أن تُصرح علانيًّة برغبتك باستعمال وحدة نظام الملفّات مثلاً، وكذلك الأمر بالنسبة للوحدات التي يكتبها مبرمجون آخرون. نظام الوحدات هذا والتصريح عنها ضمن ملفّ وعدم تلويث نطاق الأسماء العامّ (Global scope) هي بعضٌ من الأشياء التي نفّذها مُطوّروا Node.js على وجه صحيح، وأزعم أنه واحد من الأشياء التي جعلت JavaScript تُؤخذ على محمل الجدّ. هناك الكثير من المحاولات لتقليد هذا النظام بعد أن أثبت تفوّقه، انظر مثلاً إلى Composer بالنسبة لـPHP، وPip مع virtualenv في Python؛ لكنّ محاولة إدخال هذه الأنظمة على لغات ناضجة لا تبدو موفّقة كثيرًا، وأما في لغة Go فتعتبر الحُزم شيئًا من أساس اللغة. أيًّا يكن، لقد وصلنا إلى مرحلة يمكن بها إنجاز أيّة تطبيق بأيّة لغة، ويبقى الفارق هو التنظيم والسرعة والأمان وأنماط التّصميم المُتّبعة، وأهمّ من ذلك كلّه المجتمع الّذي يوفّر الدّعم والمساعدة للمبتدئين (في النّقطة الأخيرة لا شكّ أن JavaScript متفوّقة على كلّ اللّغات).
لكن دعونا لا نُهين قدرتنا العقلية ونتجاهل وجود لغات برمجة أخرى فقط لأنّنا ألِفنا لغة برمجة واحدة، مهما كانت محبوبة! هناك أشياء في JavaScript لا يمكن التّغاضي عنها ولا يُمكن في أحسن الأحوال أن نعتبرها مزايا:
فهي أوّلاً بطيئة رغم تحسّن أدائها بأضعاف ما كانت عليه منذ سنوات، وما تزال أبطأ بكثير من لغات أخرى. هناك من يجادل (وأنا أؤيّد هذا الرأي) أن السّرعة ليست كلّ شيء، فيكفي لتطبيقات الويب أن تكون سريعة بما يكفي، وليس عليها أن تكون خارقة السرعة، الفارق بين كتابة تطبيق بسيط يؤدي مهمّة محدّدة بـJavaScript وتوزيعه ليعمل على كلّ منصّات الهواتف الذكية أمر يستحق التضحية بالقليل (والقليل فقط، أي إلى حدّ معقول) من السّرعة في مقابل كتابة تطبيق منفصل بـJava (لن تتخيّل عدد السّطور المُرعب الذي تحتاجه!) وآخر بـObjective C (أو Swift) وآخر بلغة ما لـWindows Phone (إن كان هناك من يُطوّر لهذا النظام! ونعم أنا جاهل به لدرجة أنّني لا أعرف شيئًا عن اللّغة التي تُستخدم لتطوير تطبيقاته!). لكن بعد تجاوز هذا الحد المعقول من التضحية، يجدر بك أن تُعيد النظر في صلاحية هذه اللّغة إذا ما أردت تطبيقًا ينفّذ مهمّة تتطلّب سرعة فائقة، دعك من أنّ هناك تطبيقات تحتاج إلى التعامل مع النظام بطريقة لا توفّرها بيئة تطبيقات الويب على هذه الأجهزة.
وثانيًا JavaScript هي عالم من الفوضى إن تغاضينا عن التنظيم الممتاز في Node.js ونظرنا إلى بيئة المتصفّحات… كم مرّة عانى مطوّرو الويب من عدم التوافق… المتصفّح الفلاني يوفّر الميزة الفلانية… رائع! هذا بالضبط ما أحتاجه! لكن للأسف المتصفح الآخر لا يوفّرها، وستحتاج إلى مكتبة بديلة (polyfill) لسدّ هذا الفراغ، حسنًا سأضيف هذا الـpolyfill وسيمكنني التطوير لكل المتصفّحات… نعم، باستثناء أنّ هذا الـpolyfill يسدّ الفراغ بنسخة قديمة من معيار هذه الميزة التي تحتاجها - فكما تعرف أعضاء منظّمة W3C لا يتوقّفون عن تغيير الواجهات البرمجيّة للأشياء التجريبية في المتصفّحات… ألم نُحذّرك من استخدام هذه الميزة غير المُستقرّة؟ كان يجدر بك أن تبحث عن حلّ بديل!… وهذا هو بالضّبط السّبب الذي يجعلني أكره التطوير للواجهات (front-end development) ولهذا قرّرت الاعتزال في عالم Node.js والتطوير للنهاية الخلفيّة (backend)! لا شيء من أحلامك الورديّة يتحقّق بسهولة في عالم المتصفّحات! أعرف أن الأمور في تحسّن دائم، وهناك الكثير من الأشياء الرائعة القادمة… مثل
applicationCache
وindexedDb
وObject.observe
وWeb Components وHTML Imports… لكنّ المشكلة أنها جميعها ليست مستقرّة أو غير مُتبنّاة في كلّ المتصفّحات بعد؛ ويبدو أن هذه الفوضى لن تنتهي يومًا، ولا حلّ لها سوى المزيد من فوضى المكتبات البديلة، هل قلت يومًا إنّ الويب هو مستقبل التطوير الموحّد لكلّ المنصّات؟ لقد كنت ساذجًا!هناك الكثير من عيوب التصميم في JavaScript، بعضها يعود لكونها لغة صُمّمت لإنجاز مهام بسيطة وعلى عجَلَ (في الحقيقة Brendan Eich صمّمها خلال 10 أيام لمتصفّح Netscape)، فمثلاً لا يُمكنك إنشاء خيوط (threads) لأنّها تعمل ضمن خيط واحد (single-threaded)، هناك الكثير من الحلول الالتفافيّة (workarounds) في Node.js والمتصفّحات تعدنا بحل محدود الفعاليّة (Web Workers) لكنّها إيّاك أن تُخبر مُبرمج Java بأنّه لا يُمكنك إنشاء threads في JavaScript ثمّ تدعي أنّها لغة قويّة! أيضًا لا تستغرب إن قضيت ساعات تشرح لمطوّري اللّغات الأخرى عن حلقة الأحداث (event loop) وكيف تعمل ولماذا عليك إمرار استدعاءات راجعة (callbacks) عندما تُنفّذ طلبات
XMLHttpRequest
وما هو جحيم الاستدعاءات (callback hell) ولماذا ظهرت بدائل عنها مثل الوعود (Promise
) التي تحوّل جحيم الاستدعاءات إلى جحيمthen
!
asynctask1(function(err1, data1) {
if (err1) {
throw err1;
return;
}
asynctask2(data1, function(err2, data2) {
if (err2) {
throw err2;
return;
}
asynctask3(data2, function(err3, data3) {
// ... WELCOME TO JAVASCRIPT!
})
})
});
- أخيرًا أرجوك لا تنسى بديهيّة أن JavaScript بحدّ ذاتها لغة تُفسّر بمحرّك مكتوب بـC++ أو لغة أخرى أعرق وأقوى أداءً، النّواة Linux مكتوبة بخليط من C وC++ وبرامج تشغيل الأجهزة (drivers) غالبًا تُكتب بـAssembly. نعم، صدّقني JavaScript ليست اللّغة الوحيدة ضمن المجموعة الشّمسيّة!
ضحكت كثيرًا عندما شاهدت هذه الصورة منذ بضعة أسابيع، التي تُعبّر بالضّبط عن موضوع هذه التدوينة:
تسخر هذه الصّورة بشدّة من تعصّب بعض مبرمجي JavaScript الذي يدعوهم إلى الظنّ بأنّ على كل تطبيق جديد في الكرة الأرضية أن يستخدم JavaScript من اليوم فصاعدًا، وأنّ لغات أخرى ستصبح طيّ النسيان ولا يستخدمها إلّا المبرمجون القدامى الذين عفى عليهم الدهر؛ الأمر ليس مقتصرًا على متعصّبي JavaScript وحدهم، فلكلّ لغة برمجة أنصارها ومتعصّبوها، لكن JavaScript بالذّات هي أكثر اللغات التي تترافق بهذه الظاهرة، للأسباب التي ذكرتها سابقًا.
ما خُلاصة هذا الحديث؟
ما أريد قوله من هذه التدوينة السّريعة أن أنصح المتعصّبين للغة برمجية أيًّا كانت أن يتوقّفوا عن إهانة قدرتهم العقليّة على التّعلّم وتقبّل الكتابة بلغة أخرى يرون أنّها للفاشلين فقط أو للقادمين من العصر الحجري… لم أتعلّم هذا إلا بالطّريقة الصّعبة، وأعتقد أنّ السّبب الّذي جعلني أتقبّل هذه الحقيقة هو كوني غير مختصّ، تعلّمي للبرمجة غير مرهون بعملٍ أو بربح مادّيٍّ، أنا فقط أُبرمج على سبيل التّسلية، وكلّ مشاريعي التي كتبتها (هذه المدوّنة بنيتها من الصّفر، وتطبيق aQuran، وتطبيق جديد أكتبه لتوليد خلاصات RSS…) كلّها كانت مجرّد تجربة ومحاولة لاستكشاف أنماط التصميم (design patterns) ومفاهيم برمجيّة أخرى. نعم تعلّمت الكثير عن البرمجة عمومًا من خلال JavaScript، لكنّها لن تكون اللّغة الوحيدة التي أكتب بها لبقيّة حياتي بالطّبع! يبدو أن هدفي التالي سيكون لغة Go الحديثة العهد. البرمجة أوسع من صياغة اللّغة (syntax) لذا فلا يعتبر انتقالي لتعلّم لغة أخرى خسارة، والكثير من المفاهيم البرمجية كالبرمجة المُقادة بالاختبارات (test-driven development) والتّعامل مع الاستثناءات (exception handling) ومكوّنات اللغة كالأصناف (classes) والواجهات (interfaces) والدّوالّ (functions) هي أشياء توجد بعضها أو كلّها في كلّ اللّغات.
جدول المحتويات